#خطبة_الجمعة_اليوم_بجميع_مساجد_الدولة
الخطبة الأولى
الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، له الحمد الحسن والثناء الجميل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، دعانا إلى كل خلق نبيل، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، أوفى الناس عهدا، وأصدقهم قولا، فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله، قال سبحانه وتعالى:( واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون).
أيها المصلون: إن للأخلاق في الإسلام شأنا عظيما، ومقاما كريما، فمن عامل الناس بها كان له من الله فضل كبير، وأحبه النبي صلى الله عليه وسلم وكان في الآخرة منه قريبا، قال صلى الله عليه وسلم :« ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة؟». قال القوم: نعم يا رسول الله. قال:« أحسنكم خلقا». فيبلغ صاحب الخلق الحسن المنزلة العالية حتى يكون أقرب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا يوم القيامة، إلى جانب ما يكون له من الذكر الحسن في الدنيا والمحبة في قلوب الناس، قال القائل:
بمكارم الأخلاق كن متخلقا ليفوح مسك ثنائك العطر الشذي
ومن الأخلاق الرفيعة والخصال الحميدة: الوفاء، ومعناه الالتزام بإتمام كل ما أوجبه الإنسان على نفسه من عهود أو وعود أو غير ذلك، وللوفاء أهمية كبرى في تعزيز الثقة بين الناس، ومن ألزم نفسه الوفاء نال حب الخالق والمخلوق، فإن الله تعالى يحب لخلقه أن يتحلوا بجميل الصفات، وقد وصف الله عز وجل ذاته العلية بهذه الصفة لشرفها وعلو قدرها، فقال سبحانه:( ومن أوفى بعهده من الله).
وأثنى الله تعالى على أولي الألباب لوفائهم بعهده، فقال سبحانه:( إنما يتذكر أولو الألباب* الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق). وهؤلاء أفضل الناس عند الله يوم القيامة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« أولئك خيار عباد الله عند الله يوم القيامة الموفون المطيبون». أي الذين يوفون في معاملاتهم، ويطيبون أخلاقهم وأعمالهم على الوجه الأكمل. يبتغون بذلك وجه الله تعالى، فهم يعلمون أنهم مسؤولون عن الوفاء أمامه سبحانه، قال عز وجل:( وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا). أي: أوفوا بما تعاهدون عليه الناس، وبالعقود التي تعاملونهم بها، فإن الوفاء بالعهد والعقد؛ كل منهما يسأل عنه صاحبه يوم القيامة.
أيها الأوفياء: إن الله تعالى خالق الكون وصانا بالوفاء بعهده، فقال سبحانه:( وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون). ومعناه: أن تطيعوه فيما أمركم به ونهاكم عنه، وتعملوا بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وذلك هو الوفاء بعهد الله. حتى ننال جنته وكرامته، قال تعالى:(وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون). أي: امتثلوا أمري أوف لكم بالقبول والثواب وأرض عنكم وأدخلكم الجنة.
وإذا عاهد الإنسان ربه على نذر فيجب عليه الوفاء به، وذلك من صفات الأبرار الذين قال الله تعالى فيهم:( يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا).
والوفاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم بطاعته، واتباع سنته، وتقديم محبته؛ فطاعته صلى الله عليه وسلم من طاعة الله عز وجل، قال سبحانه:( من يطع الرسول فقد أطاع الله). ومن الوفاء الذي أمر الله تعالى به الالتزام مع الناس بالعقود التي يقطعها الإنسان على نفسه، قال تعالى:( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود). وهذا أمر من الله سبحانه لعباده المؤمنين بالوفاء بالعقود، أي: بإكمالها، وإتمامها، وعدم نقضها أو إنقاصها، وهذا شامل لكل العقود التي تكون بين الناس مما أباحه الشرع الحنيف، وكل ما قطعه المرء على نفسه من وعد أو عهد فهو ملزم بالوفاء به، إلا أن يعتذر ممن وعده أو عاهده، وقد مدح الله تعالى من يحرصون على الوفاء بذلك فقال سبحانه:( والموفون بعهدهم إذا عاهدوا). فقد وصفهم الله تعالى بالصدق والتقوى فقال عز وجل:( أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون). لأنهم لا يخلفون وعدا، ولا ينقضون عهدا، بل الوفاء شيمتهم وسمتهم.
أيها المؤمنون: ومن الوفاء بعهد الله أداء الديون إلى أهلها، فذلك من أولى صور الوفاء بين الناس، فهو يدعم الثقة، ويشجع التفاعل بين أفراد المجتمع، فمن استدان من آخر وجب عليه أن يرد ماله، وأن يوفي بعهده، وذلك لحفظ حقوق الناس، وحتى يكون الإنسان وفيا بحق الناس، فيعفو عنه الله سبحانه.
ومن الوفاء أن نحفظ الجميل لمن أسدى إلينا معروفا، وذلك من الوفاء لحقه، والتقدير لمعروفه، والوطن أول من نعرف له حقه بعد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فعن الأصمعي قال: إذا أردت أن تعرف وفاء الرجل، ووفاء عهده؛ فانظر إلى حنينه إلى أوطانه. ويكون الوفاء للوطن بحبه والولاء له، والدفاع عنه، والاجتهاد في رقيه.
فاللهم اجعلنا أوفياء بالوعد، صادقين في العهد، ووفقنا لطاعتك أجمعين، وطاعة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم وطاعة من أمرتنا بطاعته، عملا بقولك:( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم).
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم،
وبسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم،
فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله رب العالمين.
أما بعد: فيا أيها المصلون، إن خير ما أعطي الإنسان: خلق حسن، وخلق الوفاء من أنبل الأخلاق، ومنه الوفاء للوالدين؛ ببرهما وإسعادهما، وطاعتهما وحسن صحبتهما، فقد جعلهما الله تعالى سببا في وجودنا، وقرن شكره سبحانه بشكرهما، فقال عز وجل:( أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير). والوفاء للأرحام بمودتهم، وللأصدقاء والجيران بحسن معاملتهم، ووفاء المدير لموظفيه بما يعدهم، فذلك يعزز الترابط والثقة بين الناس، وقد قالت العرب: بالوفاء يدوم الإخاء.
فما أجمل أن يكون الوفاء ملازما للإنسان في كل مجالات حياته؛ فيجني المرء ثمرات الوفاء في الدنيا بحب الناس وثقتهم، وتقديرهم واحترامهم، وينال في الآخرة من الله أجرا عظيما، قال تعالى:( ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما). فهل نعزز التعامل بالوفاء فيما بيننا؟ وهل نربي عليه بناتنا وأبناءنا؟
هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا». اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم زينا بالأخلاق الجميلة، وأعنا على الوفاء وحسن أداء الحقوق يا رب العالمين.
اللهم ارحم شهداء الوطن وقوات التحالف الأبرار، وأنزلهم منازل الأخيار، وارفع درجاتهم في عليين مع النبيين والصديقين، يا عزيز يا كريم.
اللهم اجز خير الجزاء أمهات الشهداء وآباءهم وزوجاتهم وأهليهم جميعا، اللهم انصر قوات التحالف العربي، الذين تحالفوا على رد الحق إلى أصحابه، اللهم كن معهم وأيدهم، اللهم وفق أهل اليمن إلى كل خير، واجمعهم على كلمة الحق والشرعية، وارزقهم الرخاء يا أكرم الأكرمين.
اللهم انشر الاستقرار والسلام في بلدان المسلمين والعالم أجمعين.
اللهم ارض عن الخلفاء الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة الأكرمين. اللهم نسألك الجنة لنا ولوالدينا، ولمن له حق علينا، وللمسلمين أجمعين.
اللهم وفق رئيس الدولة، الشيخ خليفة بن زايد، وأدم عليه موفور الصحة والعافية، واجعله يا ربنا في حفظك وعنايتك، ووفق اللهم نائبه وولي عهده الأمين لما تحبه وترضاه، وأيد إخوانه حكام الإمارات.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، اللهم ارحم الشيخ زايد، والشيخ مكتوم، وشيوخ الإمارات الذين انتقلوا إلى رحمتك، وأدخل اللهم في عفوك وغفرانك ورحمتك آباءنا وأمهاتنا وجميع أرحامنا ومن له حق علينا.
اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما، واجعل تفرقنا من بعده تفرقا معصوما، ولا تدع فينا ولا معنا شقيا ولا محروما.
اللهم احفظ دولة الإمارات من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأدم عليها الأمن والأمان يا رب العالمين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم اسقنا من بركات السماء، وأنبت لنا من بركات الأرض.
عباد الله:( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون).
اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ( وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون).