الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين، وعد بالجنة عباده المؤمنين، وفتح أبوابها للطائعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله؛ فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله، فإنها سبب للسعادة والفوز والطمأنينة في الدنيا والآخرة؛ قال سبحانه وتعالى:( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون* الذين آمنوا وكانوا يتقون* لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة).
أيها المؤمنون: إن الله عز وجل خاطب المؤمنين في كتابه، وناداهم في نحو تسعين موضعا، وفي القرآن الكريم سورة تسمى سورة المؤمنون؛ لعظيم فضلهم، وعلو قدرهم، وقد افتتحت السورة الكريمة بالبشرى لهم، فقال سبحانه:( قد أفلح المؤمنون). فبشرهم الله تعالى بفوزهم وفلاحهم، ثم ذكر صفاتهم العملية والأخلاقية في بداية سورة المؤمنين، فأول صفاتهم أنهم:( في صلاتهم خاشعون). حيث تعلقت قلوبهم بربهم، وخضعت له جوارحهم، فإذا دخلوا في الصلاة أقبلوا على الله، وتركوا ما سواه، فكانت الجنة مثواهم، قال صلى الله عليه وسلم :« ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه، ثم يقوم فيصلي ركعتين، مقبل عليهما بقلبه ووجهه، إلا وجبت له الجنة». وذلك لأنه يستحضر عظمة الله عز وجل في قلبه، ويتدبر ما يتلوه من آيات، وما يذكره من تسبيحات. ثم ختم الله تعالى صفات المؤمنين بالحفاظ على الصلوات كما بدأها بحرصهم على تحقيق خشوعها، فقال عز وجل:( والذين هم على صلواتهم يحافظون). فمن حافظ على الصلوات وأتم ركوعهن وسجودهن؛ كان من الفائزين، قال r :« خمس صلوات افترضهن الله على عباده، من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن، فأتم ركوعهن وسجودهن وخشوعهن كان له عند الله عهد أن يغفر له». وإن المحافظة على الصلاة دليل على حياة القلب بالإيمان، واستنارته بتقوى الرحمن، فهي تهذب السلوك، وتعين صاحبها على تحقيق بقية الأوصاف التي من اتصف بها فاز وسعد وأفلح.
أيها المصلون: قال سبحانه:( والذين هم عن اللغو معرضون). فحفظ اللسان عما لا يليق، والتنزه عن الخوض في اللغو والباطل من أخلاق المسلم، لأنه ينتقي أعذب الكلمات، وينطق بأفضل العبارات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش ولا البذيء».
ثم وصف الله تعالى عفة المؤمنين وتورعهم عن الوقوع في الحرام، فقال تبارك اسمه:( والذين هم لفروجهم حافظون* إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين* فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون). فذلك مما يحافظ على نقاء المجتمع وطهارته، وقد ضمن النبي صلى الله عليه وسلم الجنة لمن حافظ على عفة جوارحه، وبشره بأن يظله الله تعالى بظله يوم القيامة فقال :« سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.. ومنهم : رجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله».
ثم تطرقت الآيات الكريمات إلى ذكر خلق كريم، وهو رعاية الأمانة، فتلك من صفات المؤمنين، قال عز وجل:( والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون). فهذه الصفة لها أثرها الكبير في تعزيز الثقة بين الناس في المعاملات، وفي الوعود والعهود والعقود، ولخطورة أمرها، وعظم شأنها؛ أمر الله تعالى بها فقال:( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها). ونفى نبي الله r كمال الإيمان عن المفرط في أداء الأمانات فقال :« لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له». فمن اجتهد في تحقيق هذه الصفات دخل الجنة، قال سبحانه:( أولئك هم الوارثون* الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون). ومن يتدبر مراتب الإيمان يجدها تدور بين القول الحسن والفعل الجميل والخلق الحميد، قال رسول الله :«الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان».
فاللهم اجعلنا من المؤمنين المفلحين، ووفقنا لطاعتك، وطاعة رسولك محمد وطاعة من أمرتنا بطاعته، عملا بقولك:( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم).
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم،
وبسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم،
فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله عز وجل.
أيها المؤمنون: لقد وعد الله عز وجل المؤمنين بأجر عظيم، فقال:( وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما). وبشرهم بفضل منه كريم فقال:( وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا). وقد تولى الله عز وجل رعايتهم، وحفظهم وهدايتهم، فقال تعالى:( الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور). وكان الإيمان سببا في نجاتهم من عقاب الله؛ قال سبحانه:( ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون).
فهل نربي بناتنا وأبناءنا على التخلق بأخلاق المؤمنين؟
هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه، قال تعالى:( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، واجعلنا من الراشدين يا رب العالمين.
اللهم ارحم شهداء الوطن وقوات التحالف الأبرار، وأنزلهم منازل الأخيار، وارفع درجاتهم في عليين مع النبيين والصديقين، يا عزيز يا كريم. اللهم اجز خير الجزاء أمهات الشهداء وآباءهم وزوجاتهم وأهليهم جميعا، اللهم انصر قوات التحالف العربي، الذين تحالفوا على رد الحق إلى أصحابه، اللهم كن معهم وأيدهم، اللهم وفق أهل اليمن إلى كل خير، واجمعهم على كلمة الحق والشرعية، وارزقهم الرخاء والاستقرار يا أكرم الأكرمين. اللهم ارض عن الخلفاء الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة الأكرمين.
اللهم انشر الاستقرار والسلام في بلدان المسلمين والعالم أجمعين.
اللهم إنا نسألك من الخير كله، عاجله وآجله، ونسألك الجنة لنا ولوالدينا، ولمن له حق علينا، وللمسلمين أجمعين.
اللهم وفق رئيس الدولة، الشيخ خليفة بن زايد، وأدم عليه موفور الصحة والعافية، واجعله يا ربنا في حفظك وعنايتك، ووفق اللهم نائبه وولي عهده الأمين لما تحبه وترضاه، وأيد إخوانه حكام الإمارات.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، اللهم ارحم الشيخ زايد، والشيخ مكتوم، وشيوخ الإمارات الذين انتقلوا إلى رحمتك،وأدخل اللهم في عفوك وغفرانك ورحمتك آباءنا وأمهاتنا وجميع أرحامنا ومن له حق علينا.
اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما، واجعل تفرقنا من بعده تفرقا معصوما، ولا تدع فينا ولا معنا شقيا ولا محروما. اللهم احفظ دولة الإمارات من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأدم عليها الأمن والأمان يا رب العالمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
عباد الله:( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ( وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون).